السبت، 19 فبراير 2011

خوارق اللاشعور وأسرار الشخصية الناجحة _ د.علي الوردي


اللاشعور _ اصطلاح يراد به الإشارة إلى ما يحدث داخل النفس من مجريات لا يشعر بها الفكر ولا تدخل قي مجال الوعي والتأمل . إن هناك بالأحرى قوى لا شعورية تنبثق من أغوار النفس ويكون لها أثر لا يستهان به في نجاح الفرد أو نبوغه أو تفوقه ,الأبحاث النفسية الحديثة تشير إلى أن العبقري حين ينتج إنتاجه الرائع لا يشعر بنفسه , فهو يدخل في حالة شاذة لها شبه بالصرع أو الغيبوبة أو الهذيان . ما نريد أن يفهمه القارئ هنا هو أن العبقرية فيها شئ عن الخروج من الذات والدخول في عالم آخر لا نعلم مداه الآن معرفة تامة , فهي تعتبر نوعا من أنواع الجنون أحيانا لأنها تخرج بصاحبنا عن حالته الاعتيادية وتجعله ينظر إلى الحياة بمنظار ثاقب نفاذ لم يعهده الناس من قبل . يقول جيمس : إن الفرق بين العباقرة وغيرهم من الناس العاديين ليس مرجعه إلى صفة أو موهبة فطرية في العقل , بل إلى الموضوعات والغايات التي يوجهون إليها همهم , وإلى درجة التركيز التي يسعهم أن يبلغوها , إن العبقرية خروج من الذات وانغمار في عالم أسمى وأوسع . حوافز النفس الآنية فهي تنبثق من أغوار العقل الباطن , والعقل الباطن جوهر غير محدود بحدود الزمان والمكان وله القدرة على رؤية الغيب والإطلاع على ماوراء الحجب والمسافات . إن العقل الباطن مؤلف من أي رغبة مكبوتة , والدوافع تقيم خطوط الاتصال بين العقل الباطن والعمل اليومي . يقول الخبراء في فن الكتابة الحديثة : اكتب أول خاطر يطرأ على ذهنك ,ولا تطيل فيما تكتب , فإنك ستجد بعد لحظة بأن قلمك قد انساب في الموضوع انسيابا عجيبا حيث تكتب بلباقة لا عهد لك بها من قبل . ينبغي أن ينتبه المنشئ إلى الحقيقة الكبرى في فن الكتابة و هي أن الإبداع فيها يأتي عفو الخاطر _ أي نتيجة الانبثاق اللاشعوري . إن اللاعب الحاذق ينسى نفسه أثناء اللعب ويصبح هو والكرة كأنهما شئ واحد. النجاح يأتي على قدر الهدوء والاسترسال و عدم التكلف , وذلك لكي نستثمر الومضات المبدعة التي تنبعث من اللاشعور في حياتنا , لعلنا لا نغالي إذا قلنا بأن الشخصية الناجحة هي التي تتخيل النجاح الذي تريده. ينتقد بعض الكتاب القرآن لأنه يكرر القصص وآيات الوعظ مره بعد مره و يذكر الله و آثاره في الكون في كل صفحة من صفحاته . وما درى هؤلاء المغفلون بأن هذا التكرار الذي ينتقدونه هو الذي طبع في نفوس العرب ذلك الأيمان العميق بالله وجعلهم يحطمون إيوان كسرى وعرش القيصر في سنوات معدودة . فالعقيدة بنت الإيحاء والتكرار , الأيمان يزلزل الجبال . إن العقيدة قناعة لا شعورية تأتي نتيجة الأيمان القوي والمراس الطويل والانغمار الذي لا يخامره شك أبدا , فقوة العقيدة وعمقها وتغلغلها في اللاشعور هي التي تؤدي إلى ظهور الخوارق , فالإنسان يستطيع بقواه النفسية أن يتحدى الصدفة ويغالبها . إن حوادس اللاشعور لا تنبعث إلا من نفس صافية مطمئنة , فالمبدع حين ينغمر في عمله ويذوب فيه . إنه لا يريد أن ينجح في عمله , ولا يقصد الكمال في أدائه . فهو حين يعمل لا يشعر بنفسه ولا يحس أن له قصد يسعى وراءه . إنه يصبح أثناء العمل كأنه جزء من العمل , فهو يسير فيه منسابا على سليقته , وإذا ذاك يتسلم العقل الباطن زمام الأمر فيقوده إلى الغاية المنشودة من حيث لا يدري . سينل يرى بأن كل مادة في الكون تبعث ذبذبات أو أمواج أثيرية خاصة لا تدركها الحواس الخمس , وقد قرر البروفسور "دنكان" أستاذ الطبيعة في جامعة نيويورك سابقا ,أن الأمواج تنطلق بلا انقطاع من كل مادة في الوجود فتصطدم بما حولها من مواد وتؤثر فيها . أخيرا إن المستقبل لا يأتي إلينا إنما نحن نذهب إليه , فهو موجود "هناك" في نقطة من نقاط الزمان , ويستطيع الإنسان أن يطلع عليه إذا كان موهوب بموهبة الإحساس الخارق .