الاثنين، 31 مارس 2014

روايــة الأسود يليق بكِ _ أحلام مستغانمي


أوليست الحياة أنثى.

في حياة قضتها واقفة , لم تكتسب يوماً مهارات الجلوس على المبادئ, لذا لن تفوز بشهرة لا تفتح بابها في الغرب إلا لمن يتقن دور الضحية, مضحيا بقيمه, لذلك الضوء الساطع ثمن ما كانت جاهزة لدفعه.

كان ولاؤها أولاً للحقيقة, وهي لا تملكها كاملة, وتدري أن كل شيء كان ممكناً في وطن فوق قبوره تُبرم صفقات الكبار, وتحت نعال المتحكمين بمصيره يموت السذج الصغار.

كل حكم يصنع وحوشه, ويربي كلابه السمينة التي تطارد الفريسة نيابة عنه.. وتحرس الحقيقة باغتيال الحق.

الإعلام الرسمي الذي راح بداية يبارك تمردها, ويروج لها كنموذج لجزائر الصمود والشجاعة, كان في الواقع يصفي حساباته مع الإسلاميين, وسرعان ما تحول إلى تصفية حساباته معها.

بدأت المشاكل حين راحت تصرح للصحافة الحرة, بأن ثمة جزائر للقلوب وأخرى للجيوب, وإرهاباً سافراً وآخر ملثما, وأن كبار اللصوص هم من أنجبوا للوطن القتلة, فالذين حملوا السلاح ما كانوا يطالبون بالديمقراطية بل بديمقراطية الاختلاس وبحقهم في النهب, ما دام لا سارق اقتيد إلى السجن.

حينها بدأ الغربان و متعهدو الدماء يحومون حول صوتها النازف, ويشجعونها على رفع النبرة, ويزودونها بالأسماء.. وبأعواد الكبريت!

يكفي أن تؤنث المأساة, وتضاف إليها توابل الإسلام والإرهاب, والتقاليد العربية, لتكون قد خطت خطواتها الأولى نحو الشهرة!

الشجاعة هي أن تجازف بقول ما لا يعجب الآخرون.

الجولة؟ الجولة يُنازل فيها طرف طرفاً آخر.. ليس أن تكون وحدك على حلبة لتلقي ضربات يتنافس الجميع على تسديدها إليك .

كان ثمة زحمة موت, لذا لم يحظ الراحلون بدمع كثير, وحدهم الموتى كانوا يمشون في جنازات بعضهم.

"كن صامتاً.. أو ميتًا".

 

 

..........

هل أكثر فقراً من ثري فاقد الحب ؟

سيقتله الأمر قهراً, أن تتحاشى سؤاله عن اسمه, كأن تترفع عن معرفة حدود سطوته, هل ثمة إهانة أكبر!

"لا تذهبي بقلبك كله" قال لها عقلها. ولكنها ذهبت بقلبها كله. وعادت بلا عقل .

هو لن يقول لها مثلاً, أنه يوم رآها في المطار تُحدق في وجوه كل الرجال عداه, قرر أن يثأر لذلك الخذلان العاطفي بموعد لن ترى فيه سواه.

لعلي امرأة عربية تحزن حين يجب أن تفرح, لأنها ما اعتادت السعادة.

أنت لا تعرفين من تحبين حقا إلا عند الانفصال.

مأساة الحب الكبير ليست في موته صغيراً بل في كونه بعد رحيله يتركنا صغاراً.

 

..........

 

تعلمي الغناء من الإصغاء إلى حفيف الكائنات, كما الآن.

أصغي إلى صمتك وأنت تمشين في هذه الغابة .. بالصمت نعرف متى يكون الوقت صحيحاً أو خاطئا في الموسيقى.. كما في الحياة.

لا يمكن أن تمضي بعيداً في الحياة , إن لم تضبطي إيقاعك. الإيقاع يمنعك من أن تنشزي أو تلهثي, أن تمضي في كل صوب . الناس الذين ترينهم تائهين في الحياة, لم يأخذوا الوقت الكافي لضبط إيقاعهم قبل أن ينطلقوا .

الفشل مُعد تماماً كالنجاح, والسعادة معدية تماماً كالكآبة. وحتى الجمال مُعد.

نحن نساوي من نقيس أنفسنا بهم, لا تقيسي نفسك إلا بالكبار إن شئت أن تكوني كبيرة.

لا أفقر ممن يفتقر إلى الخيال.

تذكري أنك كما ترين نفسك تكونين.

.........
لم تكن تشبه أحداً في زمن ما عادت فيه النجوم تتكون في السماء, بل في عيادات التجميل.

أجمل لحظة في الحب هي ما قبل الاعتراف به .

الحب لا يعلن عن نفسه, لكن تشي به موسيقاه, شيء شبيه بالضربات الأولى في السمفونية الخامسة لبيتهوفن.

الحب هو ذكاء المسافة, ألا تقترب كثيراً فتلغي اللهفة, ولا تبتعد طويلا فتُنسى.

لا نعرف كيف نروي الحلم عندما نستيقظ منه . لا شيء فيه يشبه ما نعيشه عادة.

"حبنا هو أول قضية عليك كسبها.. سأمنحك فرصة المرافعة لتكوني امرأة حياتي"

..........

من أي نجوم أتينا لنلتقي أخيرا؟

كلماتها صادفت أذنه, وأوقعته في فتنة أنوثة ما خبر من قبل بهاء عنفوانها.

ثمة نساء يلامسن لواعج الروح , يعبرن حياتك كجملة موسيقية جميلة, يظل القلب يدندنها لسنوات بعد فراقهن.

كان يراها تزداد تعلقًا بما ترك لها من إضاءات وسط أسرار عتمته.

الكبرياء أن تقول الأشياء في نصف كلمة, ألا تكرر, ألا تصر, أن لا يراك الآخر عاريا أبداً. أن تحمي غموضك كما تحمي سرك.

 

..........

كل ما يأتي على عجل يمضي سريعاً, وكل ما نكتسبه بسرعة نخسره بسهولة, وهو بلغ من الحكمة عمراً, أصبحت فيه متعة الطريق تفوق متعة الوصول, وانتظار الأشياء أكثر شهوة من زهو امتلاكها.

أن كل ما يمكننا تخيله قابل للتحقيق, يكفي أن نريده حقاً, وأن نثابر على حلمنا .

العواطف الجميلة وحدها لا تصنع نجاح الفنان.. الأمر يحتاج إلى مثابرة وإصرار, النجاح جبهة أخرى للمعركة.

من غير المسموح للذي يسبح مع الحيتان الكبيرة أن ينام.. وإلا انتهى في جوفها .

فمن يغني قد هزم خوفه..  إنه إنسان حر!

بلى, بإمكان من لا يملك إلا حباله الصوتية أن يلف الحبل حول عنق قاتله, يكفي أن يغني, فلا قوة تستطيع شيئا ضد من قرر أن يواجه الموت بالغناء.

خلقت الغزلان لتركض في البراري, لا لتختبئ , فالخوف من الموت.. موت قد يمتد مدى الحياة.

وحدهم السعداء بإمكانهم إعمار الوطن.

..........

الرجال هكذا.. يأتون عندما نكف عن انتظارهم, ويعودون عندما يتأكدون أننا ما عدنا معنيين بعودتهم.

ثمة خسارات كبيرة إلى حد لا خسارة بعدها تستحق الحزن.

ثمة شقاء مخيف, يكبر كلما ازداد وعينا بأن ما من  أحد يستحق سخاءنا العاطفي, ولا أحد أهل لأن نهدي له جنوننا.

الأحلام التي تبقى أحلاماً لا تؤلمنا, نحن لا نحزن على شيء تمنيناه ولم يحدث, الألم العميق هو على ما حدث مرة واحدة, وما كنا ندري أنه لن يتكرر.

..........

هو ليس حزيناً من أجلها, بل لأنه جعلها كبيرة, وتركته صغيراً.

لا أحد يرمي بنفسه إلى البحر , دون وجهة واضحة, إن لم يكن القهر قد ألقي به إليه.

الأكثر وجعاً, ليس ما لم يكن يوماً لنا, بل ما امتلكناه برهة من الزمن , وسيظل ينقصنا إلى الأبد.

تذكرت أنها لا تدري مع من تقتسم فرحتها , وهذه أعلى درجات الوحدة.   

هل قال عاشق عربي يوماً لامرأة إنها تنقصه؟

..........

 

هي لم تنس شيئاً. لقد عقدت هدنة مع الذاكرة ليس أكثر.

الثلاثاء، 25 مارس 2014

الــــــــــــــــروح _ للإمام ابن قيم الجوزية

أهدي هذا الكتاب لكل من نسي الآخرة وعمل للدنيا ,,
لـــكــل ظالم يظن أن لن يقــــدر عليـــهـ أحد ..
لــكـل فــاســد يظـن أنه لا أحـدا أكــبر منــهـ ..
لــكل عـاصيـ نسي أن الــدنــيا دار فنـــاء ..
في هذا الكتاب ستجدون ما تبحثون عنه فيما يتعلق بالروح , البرزخ والحياة التي لا نعلمها أبدا .. حتى نبلغها .
سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه, بل سوى بدنه كالقالب لنفسه, فتسوية البدن تابع لتسوية النفس, والبدن موضوع لما هو موضوع له . ومن ههنا يعلم أنها تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها, فإنها تتأثر وتنتقل عن البدن, كما يتأثر البدن وينتقل عنها , فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها, وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه , فأشد الأشياء ارتباطا وتناسبا وتفاعلا وتأثرا من أحدهما بالآخر الروح والبدن.
تميز الروح عن الروح بصفاتها أعظم من تميز البدن عن البدن بصفاته.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الأرواح جنود مجندة تلتقي في الهواء فتشأم, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".
أخبرك بأمر : إذا تأملت أحوال الأنفس والأبدان شاهدته عياناً, قلَ أن ترى بدناً قبيحاً وشكلاً شنيعاً إلا وجدته مركباً على نفس تشاكله وتناسبه, وقل أن ترى آفة في بدن إلا و في روح صاحبه  آفة تناسبها, ولهذا تأخذ أصحاب الفراسة أحوال النفوس من أشكال الأبدان وأحوالها, فقل أن تخطئ ذلك.
إن الأرواح قسمان : أرواح معذبة محبوسة وأرواح منعمة ... في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي . والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة : تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا , فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها, وروح نبينا محمد صلـى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى . قال الله تعالى : } ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذي أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا {.
وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء , والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة.
يصف ابن القيم الحياة في القبور وكيف تبدأ بوصف دقيق تقشعر له الأبدان ....
يأتيه منكير ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويفحصان الأرض بأشعارهما, وأصواتهما كالرعد القاصف, وأبصارهما كالبرق الخاطف..... أن الأرواح تعاد إلى القبر وأن الملكين يجلسان الميت ويستنطقانه .
روى من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ".
من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" هذا الذي تحرك له العرش, وفتحت له أبواب السماء, وشهده سبعون ألفاً من الملائكة, لقد ضم ضمة ثم فرج عنه". قال النسائي: يعني سعد بن معاذ.
ذكر ابن أبي الدنيا أن عمر بن عبدالعزيز لما كان في يومه الذي مات فيه قال أجلسوني فأجلسوه, فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت _ثلاث مرات_, ولكن لا إله إلا الله, ثم رفع رأسه فأحد النظر فقالوا: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين, فقال: إني لأرى حضرة, ما هم بإنس ولا جن, ثم قبض.
يسرد لنا ابن القيم مجموعة كبيرة من الرؤى التي تلتقي بها أرواح الأحياء بالأموات فيتناقلون الأخبار والأحوال .. ما شـــدني منها.
قال يزيد بن هارون : أخبرنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي أن ابن ميناء خرج في جنازة في يوم وعليه ثياب خفاف, فانتهى إلى قبر قال: فصليت ركعتين ثم اتكأت عليه, فوالله إن قلبي ليقظان , إذ سمعت صوتا من القبر : إليك عني , لا تؤذني فإنكم قوم تعملون ولا تعلمون, ونحن قوم نعلم ولا نعمل, ولأن يكون لي مثل ركعتيك أحب إلى من كذا وكذا , فهذا قد علم باتكاء الرجل على القبر وصلاته.
وقال عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز: رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة فدفع إلي تفاحات فأولتهن الولد, فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ فقال: الاستغفار يا بني.
قال سهيل (القطعي) أخو حزم: رأيت مالك بن دينار بعد موته فقلت: يا أبا يحيى , ماذا قدمت به على الله؟ قال: قدمت بذنوب كثيرة محاها حسن الظن بالله عز وجل
قد ذكر ابن ابي الدنيا: حدثني محمد بن موسى الصائغ , ثنا عبدالله بن نافع قال : مات رجل من أهل المدينة, فرآه رجل كأنه من أهل النار’ فاغتم لذلك . ثم قال إنه بعد سابعة أو ثامنة رآه كأنه من أهل الجنة, فقال: ألم تكن قلت : إنك من أهل النار؟ قال : وقد كان كذلك إلا أنه دفن معنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه فكنت أنا منهم .
حدثني رجل من آل عاصم الجحدري قال : رأيت عاصما الجحدري في منامي بعد موته بسنتين فقلت : أليس قد مت ؟ قال : بلى , قلت : فأين أنت؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة , أنا ونفر من أصحابي , نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبدالله المزني , فنتلقى أخباركم , قال : قلت : أجسادكم أم أرواحكم ؟ قال : هيهات, بليت الأجسام, وإنما تتلاقى الأرواح, قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال : نعم , نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس, قال: قلت: فكيف ذلك من دون  (سائر) الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته.

يـــــــارب إن لــــــنا أحبـــابـــا لا نــعلم عنــــهم شيئا فأسكن أرواحهم جــنة عرضها السموات والأرض.

فظاهر القبور تراب, وبواطنها حسرات وعذاب .... تالله لقد وعظت فما تركت لواعظ مقالاً, ونادت: يا عمار الدنيا لقد عمرتم داراً موشكة بكم زوالاً, وخربتم داراً أنتم مسرعون إليها انتقالا, عمرتم بيوتاً لغيركم منافعها وسكناها, وخربتم بيوتاً ليس لكم مساكن سواها, هذه دار الاستيفاء ومستودع الاعمال وبيدر الزرع, وهذه محل للعبر, رياض من رياض الجنة أو حفر من حفر النار.

الاثنين، 17 مارس 2014

حياة في الإدارة _ غازي عبدالرحمن القصيبي


هذا الكتاب أتى في شكل نصائح توجيهية ,ارشادية وقصصية يرويها الكاتب بأسلوب ساحر , لا تعلم وأنت تقرأ له هل القرارات الصحيحة هي ما اقراها الوزير أم ما نصح بها الوكيل أو ما أصر عليها الإداري الصغير , حتى يدير الدفة لك ويقول :

 "ما يبدو لغزاً أو شبيهاً باللغز , يصبح عند تحليله...., أمراً بالغ البساطة"

يحسُن بالمرء , في عالم الإدارة , وفي عالم الحياة الواسع , أن يوطن نفسه على التعامل مع جسام الامور وتوافهها على حد سواء.

إن اكتشاف المرء مجاله الحقيقي الذي تؤهله مواهبه الحقيقة لدخوله يوفر عليه الكثير من خيبة الأمل فيما بعد , بين الحين والحين يجيء من يسألني عن سر نجاحي . إذا كان ثمة سر فهو أنني كنت’ دوماً , أعرف مواطن ضعفي بقدر ما أعرف مواطن قوتي .

الإنسان الذي يعرف نقاط ضعفه يملك فرصة حقيقة في تحويلها إلى نقاط قوة .

إن رغبتي في إتقان ما أقوم به من عمل لم تعن , قط , رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر . كنت , ولاأزال , أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغاً ما بلغ عددهم . وكنتُ , ولا أزال , أرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته , هزيمة ترتدي ثياب النصر .

من دراستي المتعمقة لعالم السياسة الألماني / الأمريكي الشهير .هانس . ج . مورجنثاو, الذي كتبت عنه رسالة الماجستير . يرى هذا الباحث أن السياسة كانت , منذ الأزل , وتبقى , إلى الأبد , صراعاً على القوة . وما المقصود بالقوة ؟ محاولة إخضاع الآخرين لسلطة المرء . يمضي مورجنثاو فيقول إنك لا تستطيع أن تخُضع الأخرين لسلطتك , إلا عن طريق ثلاثة دوافع , الرغبة في الثواب , أو الخوف من العقاب , أو الحب والاحترام .

 

فضلاً عن التوجيهات العامة التي اقتطفتها , لفت انتباهي تحليل د. غازي لأحدى القضايا المهمة حيث يقول:

كتابة الرسائل إلى الصحف فن قائم بذاته , لا علاقة له بالبلاغة , ولا بعدالة القضية .

يستحيل أن ينشر مقال ضد اسرائيل في أي صحيفة أمريكية دون أن تصل إلى هذه الصحيفة عدة ردود "عقلانية" تعترض على المقال .

لا يمكن لمتحدث عربي أن يتحدث دون أن يحضر الاجتماع عدد من الصهاينة أو المتعاطفين معهم يلزم هؤلاء الهدوء حتى تنتهي فترة المحاضرة وتبدأ فترة الأسئلة , بعد بضعة أسئلة استفزازية ينجح هؤلاء في إثارة المحاضر الذي يفقد أعصابه ويفقد الجمهور الذي كسبه . كنت أعجب وأنا أرى محاضراً عربياً ذكياً بعد محاضر عربي ذكي يقع في هذا الفخ . يبدو أن الدراسة الصهيونية المستمرة للعقلية العربية لا تفتأ تعطي أروع النتائج .

إن الأشياء التي تفرق اليهود لا تختلف , في تنوعها , وكثرتها , عن الأشياء التي تفرق العرب . إلا أن اليهود تعلموا من الحريق النازي الهائل أن بقاءهم على قيد الحياة رهن بقدرتهم على إنشاء تنظيم فعال يتمحور حول إسرائيل . هذا درس لا يُستوعب في جامعة , ولا في منتدى فكري , ولا تطلقه مـؤسسة أبحاث , وقد تعلمه اليهود في حمامات الغاز التي أبادت معظم اليهود في أوروبا , وكل ما أتمناه أن لا يحتاج العرب إلى فاجعة مماثلة قبل أن يستوعبوا أنه لا حياة بدون تنظيم .

أن الفارق الرئيسي بين العرب والصهاينة  أننا نتصرف بطريقة فردية عفوية وهم يتصرفون بطريقة جماعية منظمة .

 

د.غازي كان يمتلك مهارات تحليله في كل المجالات لم يقتصر على السياسة , الوزارة أو الإدارة بل حتى في أساليب التدريس كان له تجربة و رأي جميل أطالب كل محاضر / دكتور/ أستاذ أو أي شخص ينتمي لسلك التعليمي أن يتبع أسلوبه لعلنا نرى أجيالا شغوفين بالعلم والمعرفة :

لا بدً هنا أن أقول إن التدريس فن لا علاقة له بكمية العلم التي يختزنها المدرس. أغزر الناس علماً قد لا يكون قادراً على نقل علمه إلى الآخرين , وأنجح المدرسين قد لا يكون أعلمهم .

التيسير والتعسير (أو التشويق والتعقيد) , هذا هو الفارق بين المدرس الناجح والمدرس الفاشل . علًمتني تجربتي الدراسية الطويلة أن المدرس الذي يستطيع تبسيط المنهج يفتح أمام الطالب أفاقا جديدة من المعرفة ويحثه على الاستزادة منها . أما المدرس الذي يتعامل مع مادته وكأنها لغز أو طلسم فإنه سرعان ما ينجح في جعل الطلبة يتعاملون مع المادة كأنها بالفعل من الألغاز والطلاسم .

لا يمكن للمادة أن تكون مفيدة ما لم تكن مشوقة , ولا يمكن أن تكون مشوقة ما لم تكن مبسًطة , ولا يمكن أن تكون مفيدة ومشوقة ومبسًطة ما لم يبذل المدرس أضعاف الجهد الذي يبذله الطالب . كنت أقول للطلبة في المحاضرة الأولى إن رسوب أي منهم يعني فشلي في تدريس المادة قبل ان يعني فشله في استيعابها . كنت أقضي وقتاً طويلاً في التحضير : ثلاث ساعات من القراءة لكل ساعة في الفصل . لا يمكن لمدرس أن يُعد محاضرة مشوقة إذا اكتفى بقراءة كتاب واحد . سرعان ما يكتشف الطلبة الفرق بين محاضر حقيقي يشد انتباههم وبين محاضر يردد كالببغاء ما يجدونه في الكتاب المقرر.

لا أزال , أرى أن التركيز على البحث وإهمال القدرة على التدريس عن إقرار الترقيات الجامعية أمر لا يخدم مصلحة الطالب.

قال أحد أساتذتي الأمريكيين :" في الولايات المتحدة التعليم يعني التدريب , أما في اوروبا فالتعليم يعني السماح لك بتثقيف نفسك بنفسك".

كنت ولا أزال , أرى أن شهادة الدكتوراه لا تعني أن حاملها يمتاز عن غيره بالذكاء أو الفطنة أو النباهة فضلاً عن النبوغ أو العبقرية . كل ما تعنيه الشهادة أن الحاصل عليها يتمتع بقدر من الجلد وبإلمام بمبادئ البحث العلمي . الهالة التي تحيط بحاملي الدكتوراه خاصة في العالم الثالث , وتوحي أنهم مختلفون عن بقية البشر وهم لا أساس له من الواقع .

مسئولية العميد , كما أفهمها أنا لا كما يفهمها العمداء الصوريون , لا توجد بجانبها سلطة تعادلها . لا شيء يشبه إحباط الإنسان الذي يرى نفسه مسئولاً عن أشياء لا أول لها ولا آخر دون أن تكون لديه أية سلطة . الدرس الكبير الذي تعلمته من تلك التجربة , وهو درس أوصي كل إداري ناشئ أن يضعه نصب عينيه طيلة الوقت , هو : لا تتعامل مع أي موقف دون أن يكون لديك الصلاحيات الضرورية للتعامل معه . لم أكن أعي هذا الدرس وجلبت لنفسي , وللآخرين , قدراً لا يستهان به من المتاعب .

تعلمت .. أن السلطة , مهما كانت واسعة , لا تضمن تحويل القرارات إلى واقع ملموس .

لفته :

ليس من حق الجامعة أن تأوي إلى جبل يعصمها من طوفان التنمية فتعتزل المجتمع بخيره وشره , وتنصرف إلى كتبها وطلبتها وهمومها الصغيرة : تدرس حياة شاعر عاش في اسكتلندا قبل قرون , أو تشرح نباتاً لا ينمو إلا على ضفاف البحيرات في كندا . إن مكان الجامعة الطبيعي هو في قلب الإعصار , وفي تنور الطوفان , عند دفة القيادة من فلك التنمية , ومكان القيادة لا يعطى بل ينتزع بالطموح والإصرار , وبتلويث الساعدين بغبار المعضلات وتبليل القدمين بغبار الأزمات .

 

كلنا يعلم غازي وفن إداراته للوزارات ,إليكم........

سراً عظيما من أسرار الإدارة : افتح المجال أمام الآخرين وسوف يذهلك ما تراه من منجزاتهم .

أنني نشأت وفي أعماقي إحساس كامن بأن السلطة , بلا حزم , تؤدي إلى تسيًب خطر , وإن الحزم ,بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة .

أن الإدارة الحكيمة تتطلب الحزم بقدر ما تتطلب العطف .

أنني من أشد المؤمنين  بالمقولة الشائعة : إن الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل .

أن السلطة العامة يجب ان تكون في خدمة الناس بدلاً من أن توظف الناس لخدمتها .

الأنظمة المعقدة هي المسئولة عن كثير من الفساد.

هناك ثلاث صفات لا بُد من توافرها في القائد الإداري الناجح , الأولى صفة عقلية خالصة , والثانية صفة نفسية خالصة , والثالثة مزيج من العقل والنفس .....الصفة الأولى , العقلية , هي القدرة على معرفة القرار الصحيح .... وأن القيود والعقبات ما هي في الحقيقة سوى ضوابط وضمانات .... الصفة الثانية المطلوبة , النفسية , هي القدرة على اتخاذ القرار الصحيح . ما أكثر القرارات التي يعرف صانع القرار الإداري أنها صحيحة ولكنه يعجز عن اتخاذها خوفا من العواقب . إذا كانت الحكمة جوهر الصفة الأولى فالشجاعة هي روح الصفة الثانية .

على صانع القرار ألا يتخذ أي قرار إلا إذا اكتملت أمامه المعلومات . وإذا كانت هذه القاعدة  تنطبق على كل مسئول , صغيراً أو كبيراً , فإن تجاهلها , عندما يكون صاحب القرار رئيس دولة , يمكن أن يؤدي إلى كارثة .