الأحد، 17 فبراير 2013

كخه يا بابا _عبدالله المغلوث _


ناقد اجتماعي بسيط اتخذ منحى ايجابي لانتقاداته من خلال اسلوب قصصي قصير وجميل .
مقتطفات من كخه يا بابا_ للكاتب عبدالله المغلوث_
عندما نرى شخصا  قطع إشارة أو رمى على قارعة الطريق سيجارة سنتوقع فورا أنه سعودي , لأنه  ارتبط بالمخالفات والتجاوزات . لما لا يصير العكس . يصبح السعودي عنوانا للسلوك الحضاري . لن ننال طموحاتنا بالتمني . علينا أن نبدأ . أن نبدأ من اليوم إذا أردنا أن ضرب المثل يوما ما بالأخلاق السعودية.
إن الفتاة السعودية في الخارج تترد في أحيان كثيرة في التعاطي مع مواطنها خشية ردة فعله تجاه سؤالها , إلى قلقها من تفسيره وتأويلاته , إلى القصص التي ورثتها عنه من صديقاتها.
ثقافة العمل لدينا هي التي أنجبت هذه السلوكيات التي حولت الموظفين إلى كائنات مسخرة لخدمة رؤسائها وإسعادهم خارج إطار العمل .
إذا لم نغير عاداتنا وسلوكياتنا فلن نكون أوفر حظا من آبائنا, فهم نتيجة لثقافتنا وأسلوبنا العقيم.
تفشى الاحباط في مجتمعنا لأننا تخلينا عن الفرح , انصرفنا عن البهجة , ونسينا أن الأفراح الصغيرة وقود للأفراح الكبيرة . وأن البحر يبدأ بقطرة. والشجر ينهض من بذرة .
يقول الفيلسوف الفرنسي , أوغست كونت :"لكي تحتفظ بالسعادة عليك أن تتقاسمها مع الآخرين"
إن السعادة الحقيقة ليست في الأخذ بل في العطاء .
الأبداع يحتاج إلى جناحين , هما : المبادرة , وعدم الخشية من الوقوع في الخطأ . هل رأيتم طائرا يحلق بلا جناحين ؟
يقول طاغور :"المستحيل لا يقيم إلا في أحلام العاجز".
نحن نبحث عن أي شيء يقلنا بسرعة إلى أهدافنا دون أن نستشعر قيمة الصعود خطوة خطوة . إنه شعور عظيم

الانتصار لا يعانق من ينتحب , بل من يتكبد وعثاء السفر في سبيله. إن حياتنا كالماراثون الطويل , لا تخلو من آلام ومنغصات وعراقيل . لكن لا يفوز سوى من يبذل المشقة ولا يقنط ولا ينسحب حتى يصل إلى خط النهاية .
ثمة مذاق خاص للأشياء التي تأتي متأخرة. تأملوا الآباء الذين حصلوا على أطفالهم بعد طول انتظار. والمرضى الذين تعافوا بعد ألم مضن. والمبدعين الذين نالوا النجاح بعد جهد جهيد . ستجدونهم أكثر امتنانا وتقديرا وسعادة .

الجمعة، 8 فبراير 2013

من وحي القلم _مصطفى صادق الرافعي_





كانت رحلة طويلة وجميلة .. كتاب غني مشوق .. أخذني في رحلة تختلف عن الكتب الأخرى .. كان بسيطا إلى درجة التعقيد ..
أترككم مع مقتطفات مما أعجبني .. من كتاب "من وحي القلم _ مصطفى صادق الرافعي"
إن الرياح لا تكون بعثرة في نظام العالم إلا إذا كان العالم ريشا كله ؟.
نقل حقائق الدنيا إلى الكتابة أو الشعر , هو انتزاعها من الحياة في أسلوب وإظهارها للحياة في أسلوب آخر يكون أوفى وأدق وأجمل لوضعه كل شيء في خاص  معناه وكشفه حقائق الدنيا كشفة تحت ظاهرها الملتبس . وتلك هي الصناعة الفنية الكاملة , تستدرك النقص فتتمه وتتناول السر فتعلنه , وتلمس المقيد فتطلقه , وتأخذ المطلق فتحده , وتكشف الجمال فتظهره , وترفع الحياة درجة في المعنى وتجعل الكلام كأنه وجد لنفسه عقلا يعيش به .
فالكاتب الحق لا يكتب ليكتب , ولكنه أداة في يد القوة المصورة لهذا الوجود , وتصور به شيئا من أعمالها فنا من التصوير .
من طبيعة الكلام إذا أثر في النفس , أن ينتظم في مثل الحقائق الصغيرة التي تلقى للحفظ.
إن من البيان فنا هو سحر من عمل النفس في اللغة تغير به الأشياء , وله عجب السحر وتأثيره وتصرفه.
الشعر في أسرار الأشياء لا في الأشياء ذاتها .
ما يطرب الشعر إلا إذا أحسسته كأنما أخذ النفس لحظة وردها .
أن المحنة في العيش هي فكرة وقوة , وأن الفكرة والقوة هما لذة ومنفعة , وأن لهفة الحرمان هي التي  تضع للكسب لذة الكسب , وسعار الجوع هو الذي يجعل في الطعام من المادة طعاما آخر من الروح , وأن ما عجل به عنك من الدنيا لا تعوضك منه الشحمة واللحمة , فإن رغباتنا لابد لها أن تجوع وتغتذي كما لا بد مثل ذلك لبطوننا ... ليست اللذة في الراحة ولا الفراغ , ولكنها في التعب والكدح والمشقة حين تتحول أياما إلى راحة وفراغ . . . وسر السعادة أن تكون فيك القوى الداخلية التي تجعل الأحسن أحسن مما يكون , وتمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو .
ما أتعب الإنسان حين تتحول الحياة عن جسمه إلى الإقامة في فكره؟
لا طبيعة للزمن إلا طبيعة الشعور به , ولا حقيقة للأيام إلا ما تضعه النفس في الأيام .
من أروع التصاوير التي استوقفتني كانت ...
_ الروح لا تعرف شيئا اسمه الموت , ولا شيئا اسمه الوجع , تعرف حظها من اليقين , وهدوءها بهذا الحظ , واستقرارها مؤمنة ما دامت هادئة مستيقنه .
إذا هدي المرء سبيله كانت السبل الأخرى في الحياة إما عداء له , وإما معارضة , وإما ردا , فهو منها في الأذى , أو في معنى الأذى , أو عرضة للأذى . لقد وجد الطريق ولكنه أصاب العقبات أيضا , وهذه حالة لا يمضي فيها الموفق إلى غايته , إلا إذا أعانه الله بطبيعتين : أولاهما العزم الثابت , وهذا هو التوكل على الله , والأخرى هي اليقين المستبصر , وهذا هو الصبر على الأذى .

ومتى عزم الأنسان هذا ذلك العزم , وأيقن ذلك اليقين – تحولت العقبات التي تصده عن غايته فآل معناها أن تكون زيادة في عزمه ويقينه , بعد أن وضعن ليكن نقصا منهما , فترجع بعد ذلك على الطريق وما فيها . ينظر إلى الدنيا بنور الله فلا يجد الدنيا شيئا – على سعتها وتناقضها – إلا سبيله وما حول سبيله , فهو ماض قدما لا يتراد ولا يفتر ولا يكل , وهذه حقيقة العزم وحقيقة الصبر .

فإن للروح المؤمنة المسلطة على جسمها قوة تصنع هذه المعجزات .

أفتعرف أن لكل نفس قوية من هذا العالم الذي نعيش فيه عالما آخر هو عالم أفكارها , وإحساسها , وفيه وحده لذات إحساسها وأفكارها .

إن الذي يعيش مترقبا النهاية يعيش معدا لها , فإن كان معدا لها عاش راضيا بها كان عمره في حاضر مستمر , كأنه في ساعة واحدة يشهد أولها ويحس آخرها , فلا يستطيع الزمن أن ينغص عليه ما دام ينقاد معه وينسجم فيه , غير محاول في الليل أن يبعد الصبح , ولا في الصبح أن يبعد الليل ... والأنسان وحده هو التعس الذي يحاول طرد نهايته , فيشقى شقاء الكبش الأخرق الذي يريد أن يطرد الليل , فيبيت ينطح الظلمة المتدجية على الأرض , وهو لحمقه يظن أنه ينطح الليل بقرينه ويزحزحه ..؟
إن الكلمة في الذهن لتوجد الحادثة في الدنيا .

ليس الإيمان هو الاعتقاد ولا العمل , ولو كان من هذين لما شق على أحد و لصلحت الدنيا واهلها , إنما الإيمان وضع يقين خفي يكون مع الغريزة في مقرها .... وهذا اليقين لا يصلح إلا إذا كان ثابتا بما هو أكبر من الدنيا , فيرجع إليه الإنسان فيتذكر فيبصر . هناك ميراث من الآخرة للمؤمن , فاليقين بهذا الميراث سر الإيمان

وما أصدق وأحكم هذا الحديث الشريف :"إن الله تعالى بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضى واليقين , وجعل الهم والحزن في الشك والسخط". فهذه هي قاعده الحياة , لا تعاملك الحياة بما تملك من الدنيا , ولكن بما تملك من نفسك , وبذلك تكون السعادة في أشياء حقيقة ممكنة موجودة , بل تكون في كل ما أمكن وكل ما وجد , وإذا كان الرضا هو الاتفاق بين النفس وصاحبها , وكان اليقين هو الاتفاق بين النفس وخالقها ,
فقد أصبح قانون السعادة شيئا معنويا من فضيلة النفس وإيمانها وعقلها , ومن الأسرار التي فيها , ولا شيئا ماديا من أعضائها ومتاعها ودنياها والأخيلة المتقلبة عليها .
الله جلت قدرته يبث في الخلق ما يوجههم دائما إلى الاعتقاد ويحملهم عليه ويبصرهم به , وحتى كأن الحياة كلها إنما هي ممارسة لفضيلة الإيمان به من حيث يدري الإنسان أو لا يدري .
لا يغير النفس إلا النفس التي فيها قوة التحويل والتغيير .
لو صور العقل لأضاء معه الليل , ولو صور الجهل لأظلم معه النهار.
الإيمان الصحيح هو بشاشة الروح , وإعطاء الله الرضى من القلب , ثقة بوعده ورجاة لما عنده , ومن هذين يكون الاطمئنان . بالبشاشة والرضى والثقة والرجاء , يصبح الإيمان عقلا ثانيا مع العقل , فإذا ابتلي المؤمن بما يذهب معه الصبر ويطيش له العقل . وصار من أمره مثل الجنون – برز في هذه الحالة عقله الروحاني وتولى سياسة جسمه حتى يفيق عقله الأول . ويجئ الخوف من عذاب الله ونقمته في الآخرة , فيغمر به خوف النفس من الفقر أو المرض أو غيرهما فيقتل أقواهما الأضعف , ويخرج الأعز منهما الأذل .
فالاطمئنان بالإيمان هو قتل الخوف الدنيوي بالتسليم والرضى , أو تحويله عن معناه بجعل البلاء ثوابا وحسنات , أو تجريده من أوهامه باعتبار الحياة سائرة بكل ما فيها إلى الموت , وهو بهذا عقل روحاني له شأن عظيم في تصريف الدنيا , يترك النفس راضية مرضية . تقول لمصائبها وهي مطمئنة : نعم . وتقول لشهواتها وهي مطمئنة : لا.
ليست دنياك يا صاحبي ما تجده من غيرك , بل ما توجده بنفسك فإن لم تزد شيئا على الدنيا كنت أنت زائدا على الدنيا , وإن لم تدعها أحسن مما وجدتها فقد وجدتها وما وجدتك , وفي نفسك أول حدود دنياك وآخر حدودها . وقد تكون لبعض الناس حانوتا صغيرا , ودنيا الآخر كالقرية الململمة , ودنيا بعضهم كالمدينة الكبيرة , أما دنيا العظيم فقارة بأكملها , وإذا انفرد امتد بالدنيا فكان هو الدنيا .
هونوا عليكم , فإن للمؤمن ظنين : ظنا بنفسه , وظنا بربه فأما ظنه بنفسه فينبغي أن ينزل بها دون جمحاتها ولا يفتأ ينزل , فإذا رأى لنفسه أنها لم تعمل شيئا وجب عليها أن تعمل , فلا يزال يدفعها , وكلما أكثرت من الخير قال لها: أكثري . وكلما أقلت من الشر قال لها : أقلي . ولا يزال هذا دأبه ما بقي , وأما الظن بالله فينبغي أن يعلو به فوق الفترات والعلل والآثام , ولا يزال يعلو , فإن الله عند ظن عبده به , فإن خيرا فله وإن شرا فله .
علمت من ذل أن الذي تكتنفه رحمة الله يملك بها الدنيا نفسه , فما عليه بعد ذلك أن تفوته دنيا غيره , وأن الذي يجد طهارة قلبه يجد سرور قلبه وتكون نفسه دائما جديدة على الدنيا , وأن الذي يحيا بالثقة تخيب الثقة , والذي لا يبالي الهم لا يبالي الهم به , وأن زينة الدنيا ومتاعها وغرورها وما تجلب من الهم – كل ذلك من صغر العقل في الإيمان حين يكبر العقل في العلم ؟


الأرض المنخسفة هي التي يستنقع فيها الماء , فله فيها اسم ورسم , أما الجبل الصخري الأشم , فإذا صب هذا الماء عليه أرسله من كل جوانبه , وأفاضه إلى أسفل ..؟

يستعرض الكاتب لمحات من حقائق الحياة المقيتة قائلا : ..

يكذب الرجل ذو المنصب فيرفع شخصه فوق الفضائل كلها , فيكبر عن أن يكذب فيكون كذبه هو الصدق , فلا ينكر عليه كذبه أي صدقه ...؟ ويخرج من ذلك أن يتقرر في الأمة أن كذب القوة صدق بالقوة ؟

لعمري كيف تجعل هذه الحياة للناس قلوبا مع قلوبهم , فيحس المرء بقلب , ويعمل بقلب آخر : يعتقد ضرر الكذب ويكذب , ويعرف معرة الأثم ويأثم , ويوقن بعاقبة الخيانة ثم يخون ويمضي في العمر منتهيا إلى ربه , ما في ذلك شك , ولكنه في الطريق لا يعمل إلا عمل من قد فر من ربه ...؟

فكم في هذه الدنيا من شرفاء لو حققت أمرهم وبلوت الباطن منهم – إنما يشرفون الرذائل لأنهم يرتكبونها بشرف ظاهر .. وكم من أغنياء ليس بينهم وبين اللصوص إلا أنهم يسرقون بقانون .. وكم من فقهاء ليس بينهم وبين الفجرة إلا أنهم يفجرون بمنطق وحجة .. ليست الإنسانية بهذه السهولة التي يظنها من يظن , وإلا ففيم كان تعب الأنبياء وشقاء الحكماء وجهاد أهل النفوس .

إن الأمة لن تكون في موضعها إلا إذا وضعت الكلمة في موضعها , وإن أول ما يدل على صحة الأخلاق في أمة كلمة الصدق فيها , والأمة التي لا يحكمها الصدق لا تكون معها كل مظاهر الحكم إلا كذبا وهزلا ومبالغة .

إن أساس انخذالنا نحن الشرقيين في قلوبنا , إذ لا نعتبر المعاني القائمة إلا من جهة أنها قائمة بالرجال , ثم لا نعتبر الرجال إلا من ناحية ما في أنفسنا منهم , ثم لا نعتبر أنفسنا إلا من جهة ما يرضينا أو يغضبنا , وقد لا يغضبنا إلا الحق والجد , وقد لا يرضينا إلا الباطل والتهاون , ولكنا لا نبالي إلا ما نرضى وما نغضب .
يا صديقي ان الله رحيم , ومن رحمته أنه أخفى القلب وأخفى بواعثه ليظل كل انسان مخبوءا عن كل إنسان .

وفي الحب قال ..
جلس نابغة القرن العشرين مجلس الإملاء مرتجلا فقال :  قصة الحب هي قصة آدم , خلق الله المرأة من ضلعه , فأول علامات الحب أن يشعر الرجل بالألم كأن المرأة التي أحبها كسرت له ضلعا .. وكل قديم في الحب هو قديم بمعنى غير معقول , وكل جديد فيه هو جديد بمعنى غير مفهوم فغير المعقول وغير المفهوم هو الحب .
يا صديقي أن خيال الإنسان يلتقط صورا كثيرة من صور الجمال تجئ كما يتفق , ولكنه يلتقط صورة واحدة بإتقان عجيب , هي صورة الحب ..
الذي قدر عليه الحب لا يكون قد أحب غيره أكثر مما يكون قد تعلم كيف ينسى نفسه في غيره , وهذه كما هي أعلى درجات الحب , فهي أعلى مراتب الإحسان .
يا عجبا إن جلوس إنسان إلى إنسان بإزائه  , قد يكن أحيانا سفرا طويلا في عالم النفس .
إن ذلك الحب هو عندي عمل فني من أعمال النفس , لكن الفضيلة هي النفس ذاتها , الحب أيام جميلة عابرة في زمني , أما الفضيلة فهي زمني كله , وذلك الجمال هو قوة من جاذبية الأر ض في مدتها القصيرة ,ولكن الفضيلة جاذبية السماء في خلودها الأبدي .

وإذا لم ينته الحب بالإثم والرذيلة , فقد أثبت أنه حب , وشرفه حينئذ هو سر قوته وعنصر دوامه.
فكل أسرار الحب من أسرار الروح ومن عالم الغيب , و كأن النبوة نبوتان : كبيرة وصغيرة , وعامة وخاصة . فإحداهما بالنفس العظيمة في الأنبياء , والأخرى بالقلب الرقيق في العشاق , وفي هذه من هذه شبه , لوجود العظمة الروحية في كلتيهما غالبة على المادة
إن قصة الحب كالرواية التمثيلية , أبلغ ما فيها وأحسنه وأعجبه ما كان قبل "العقدة" , فإن انحلت هذه العقدة فأنت في بقايا مفسرة مشروحة تريد أن تنتهي , ولا تحتمل من الفن إلا ذلك القليل الذي بينها وبين النهاية .
فالشأن كل الشأن أن يستطيع الرجل الفصل بين الحب من أجل جمال الأنثى يظهر عليها , وبين الحب من أجل الأنثى تظهر في جمالها , فهو في الأولى يشهد الإلاهية في إبداعها السامي الجميل , وفي الأخرى لا يرى غير البشرية في حيوانيتها المتجملة .
فإن جمال الحبيب ليس شيئا إلا المعاني التي هي في وهم المحبة .
العرش يقبل رجلا خلفا من رجل , فيكون الثاني كالأول .
الحب لا يقبل امرأة خلفا من امرأة , فلن تكون الثانية كالأولى .
المرأة أداة استمالة بالطبيعة , تعمل بغير إرادة ما تعمله بالإرادة , لأن رؤيتها اول عملها . نعم إن المغناطيس لا يتحرك حين يجذب , ولكن الحديد يتحك حين ينجذب .
إن المرأة وحدها هي التي تعرف كيف تقاتل بالصبر والأناة , ولا يشبهها في ذلك إلا دهاة المستبدين.
كل شيء خاضع لقانونه , والأنثى لا تريد أن تخضع إلا لقانونها .

حين بدأ "الرافعي" بالحديث عن العبادات حارت عيناي في كلماته وتوقف عقلي بين السطور , فقد أيقظ روحا نائمة تسكني ..
أما هذا الدين فتعلمت من أبي أنه ثلاث عبادات يشد بعضها بعضا : إحداها للأعضاء , والثانية للقلب , والثالثة للنفس , فعبادة الاعضاء طهارتها واعتيادها الضبط , وعبادة القلب طهارته وحبه الخير , وعبادة النفس طهارتها وبذلها في سبيل الإنسانية ..
شعار الطهر الذي يسمى الوضوء , كأنما يغسل الإنسان آثار الدنيا عن أعضائه قبل دخوله للمسجد .
ثم يستوي الجميع في هذا المسجد استواء واحدا , ويقفون موقفا واحدا , ويخشعون خشوعا واحدا ,ويكونون جميعا في نفسية واحدة , وليس هذا وحده , بل يخرون إلى الأرض جميعا ساجدين لله , فليس لرأس على رأس ارتفاع , ولا لوجه على وجه تمييز , ومن ثم ليس لذات على ذات سلطان . هل تحقق الإنسانية وحدتها في الناس بأبدع من هذا ؟ ولعمري أين يجد العالم صوابه إلا ههنا ؟.
أين هم الذين يصلون بحقيقة الصلاة  , فيخرجون بها من النفس إلى الكون , ومن الزمن إلى الأبد , ومن الأسباب إلى مسببها , ومما في القلب إلى ما فوق القلب ؟ إن هؤلاء جميعا يصلون بجوارحهم وبينهم وبين أرواحهم طول الدنيا وعرضها  , وما منهم إلا من يتصل فكره بما يغلب عليه , كما يتصل فكر اللص بيده , وفكر العاشق بعينه , وفكر الطفيلي بمعدته .. فاسمها عندهم الصلاة وحقيقتها عند الله كما ترى .
وفي أحد أجمل القصص في الكتاب شدني ما وصف قائلا ... فلما صاحوا :"الله أكبر .." ارتعش قلب مارية , وسألت الراهب (شطا) : ماذا يقولون ؟ قال : إن هذه كلمة يدخلون بها صلاتهم , كأنهم يخاطبون بها الزمن أنهم الساعة في وقت ليس منه ومن دنياهم , وكأنهم يعلنون أنهم بين يدي من هو أكبر من الوجود ,فإذ أعلنوا انصرافهم عن الوقت ونزاع الوقت وشهوات الوقت , فذلك هو دخولهم في الصلاة , كأنهم يمحون الدنيا من النفس ساعة أو بعض ساعة , ومحوها من أنفسهم هو ارتفاعهم بأنفسهم عليها , انظري , ألا ترين هذه الكلمة قد سحرتهم سحرا فهم لا يلتفتون في صلاتهم إلى شيء , وقد شملتهم السكينة , ورجعوا غير ما كانوا , وخشعوا خشوع أعظم الفلاسفة في تأملهم .
_قالت مارية : ما أجمل هذه الفطرة الفلسفية ؟ لقد تعبت الكتب لتجعل أهل الدنيا يستقرون ساعة في سكينة الله عليهم فما أفلحت , وجاءت الكنيسة فهولت على المصلين بالزخارف والصور والتماثيل والألوان , لتوحي إلى نفوسهم ضربا من الشعور بسكينة الجمال وتقديس المعنى الديني , وهي بذلك تحتال في نقلهم من جوهم إلى جوها , فكانت كساقي الخمر , إن لم يعطك الخمر عجز عن إعطاءك النشوة .

هؤلاء الفلاسفة الذين تقوم فلسفتهم على قاعدة عملية , وهي الأشياء لا تكثر في النفس المطمئنة .
وبذلك تعيش النفس هادئة مستريحة كأن ليس في الدنيا إلا أشياؤها الميسرة.. أما النفوس المضطربة بأطماعها وشهواتها فهي التي تبتلى بهموم الكثرة الخيالية .. ومثلها في الهم مثل طفيلي مغفل يحزن لأنه لا يأكل في بطنين .
إن الرجل العظيم إذا كان بارا بأبيه عارفا قدره مدركا عظمته , يشعر حين يقبل يد أبيه كأنه سجد بروحه سجدة لله على تلك اليد التي يقبلها , و يجد  في نفسه اتصالا كهربائيا بين قلبه وبين سر وجوده , ويخصه العالم بلمسة كأن قبلته نبضت في الكون .

وفي حديثه عن المعجزات بدأ الرافعي وصفه ..
كل معجزة تحدث فهذا هو سبيلها في إيجاد النواميس الخاصة بها وإبطال النواميس المألوفة وبهذا يقول إنها خرقت العادة.
النار مثلا إذا وهي تضرمت أوجدت الإحراق فيما يحترق , فإن وضع فيها ما لا يحترق أبطل نواميسها وغلب عليها.
والنبي لا يكون نبيا حتى يكون في إنسانه إنسان آخر بنواميس تجعله أقرب إلى الملائمة في روحانيتها .
إن هذا الوجود يرق وينكشف ويستضئ كلما سما الإنسان بروحه.
_ وجود الإنسان هو وجود إرادته وعقله , لا جود شهواته وغرائزه , وكذلك عاش نبينا صلى الله عليه وسلم , كأنه خلق  تشده نية مستيقظة قد نبهها ما ينبه النفس من الغرر والخطر. ولعل هذا الشعور في نفسه صلى الله عليه وسلم هو التفسير لقوله :"نية المؤمن خير من عمله".
_والنية من بعد هي حارس العمل , فكل إنسان يستطيع أن يذعن وأن يأبى , ومن ثم تكون هذه النية ردا ومدافعة من ناحية , واستجابة ومطاوعة من الناحية الأخرى , فهي على الحقيقة متى صلحت كانت استقلالا تاما للإرادة , وكانت مع ذلك ضبطا لهذه الإرادة على حال واحدة هي التي ينتظم بها قانون المبدأ السامي .
وأشواق الروح بطبيعتها لا تنتهي , فيعارضها الجسم بجعل حاجاته غير منتهية , يحاول أن يطمس بهذه على تلك , ويغلب الحيوانية على الروحانية , فإذا كانت النية مستيقظة كفته وأماتت أكثر نزعاته , ووضعت لكل حاجة حد ونهاية , وبذلك ترجع النية إلى أن تكون قوة في النفس يخرج بها الإنسان عن كثير مما يحده جسمه , ليخرج بذلك عن كثير مما يحده من معاني الأرض ..
وهي بعد هذا كله تحمل الإنسان أن ينظر إلى واجبه كأنه رقيب حي في قلبه , لا يرائيه ولا يجامله , ولا يخدع من  تأويل , ولا يغر بفلسفة ولا تزيين , ولا يسكته ما تسول نفسه , ولا يزال دائما يقول للإنسان في قلبه : إن الخطأ أكبر الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك .
وجملة القول في معاني النية أنها قوة تجعل باطن الجسم متساوقا مع ظاهره .
لعمري إن هذه الحياة الآدمية كالآلة صاحبها مهندسها , فإن صلت واستقامت فمن علمه بها و حياطته لها , وإن فسدت واختلت فمن عبثه فيها وإهماله إياها .

ففي الحديث الشريف :"ليس من أحد إلا وفيه حمقه , فيها يعيش". والحياة نفسها حماقة منظمة تنظيما عاقلا , وما يقبل الإنسان على شيء من لذاتها إلا وهو مقبل على شيء من حماقاته , وأمتع اللذة ما طاش فيه العقل وخرج من قانونه , ولولا هذا الحمق في طبيعة الإنسان لما احتمل طبيعة الحياة , أليس يخيل إليك أن أكثرك غائب عن الدنيا وأقلك حاضر فيها , وأن يقظتك الحقيقة إنما هي الحلم وما يشبه الحل , كأنك خلقت في كوكب وهبطت منه إلى كوكبنا هذا , فما فيك للأرض ولا فيها لك إلا القليل يلتئم بعضه ببعضه , وأكثر كما متنافر أو متناقض أو متراجع؟

وأخيرا ..
_إن الأنسان يحيا حياة واحدة فليجعلها بأحسن ما تكون , وليمتع روحه بما تمتع به جميع المخلوقات سواه "المصلح المنتظر".
_معاني الاختلاف لا تكون في الشيء المختلف فيه , بل في الأنفس المختلفة عليه.
_حكمك على شيء هو عقلك أنت في هذا الشيء.
_آه حين يتغير القلب فيتغير كل شيء في رأي العين .
 _"ليس الكمال من الدنيا ولا في طبيعتها , ولا هو شيء يدرك , ولكن عظمة الكمال أن استمرار العمل له هو إدراكه".
مخرج ..
إن رؤية القبر زيادة في الشعور بقيمة الحياة , فيجب أن يكون معنى القبر من معاني السلام العقلي في هذه الدنيا .