الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

عداء الطائرة الورقية _ خــالــد حــســـيـــنـــي

عذراً هذه الرواية غير صالحة لذوي القلوب الضعيفة .
وجب أن يخطها حسيني في مقدمة روايته , ألم يعلم أنه كان من الممكن أن يكسر قلباً ما زال يلتئم من الحروف التي خطتها ابنة خالي العزيزة "نجلاء"  تعتب فيها على خالد حسيني من أجل عنوان رواية "ألف شمس مشرقة " وتسأله بعباراتها التي قد لا يقرأها أبدا أنه لابد ان يغيرها إلى "ألف شمس محرقة" , تلك النبذة التي دونتها نجلاء كانت الفتيل الذي اشتعل داخلي بحثاً عن كتابات حسيني .
ما هذه القوة الجبارة التي تمتلكها كلمات حسيني لتجعلني أصحو فجراً أتفقد بريدي الإلكتروني عل أحد المكتبات التي راسلتها بحثاً عن نسخ لروايته ردت !.

هذه الرواية اعجزتني أن أكتب عنها كلمتين يمكن أن تعطيها حقها , أحداثها وحبكتها قتلتني من المنتصف أتوقع شيء ويحدث آخر , أحل خيوطها في مخيلتي بشكل ليربطها ويعقدها حسيني بأخر , جعلني أدور حول نفسي وكأنني تائهة في منتصف غابة ضبابية لا أعلم ما يمكن أن يحدث في الخطوة التالية , ولكنه صدق حينما قال : من الأفضل أن تؤلمك الحقيقة من أن تضحك على نفسك بالكذب . في الأخير وجدتني أكتب منها وليس عنها .

وأنا أقلب صفحات الرواية رأيت مجتمعنا ولكن بثياب مختلفة ,  الأفغان أناس مستقلون يقدسون تقاليدهم ويمقتون القوانين .  تماما كالمجتمع السعودي للتقليد مهابة وتعظيم اكبر من أي قانون لا بل قد يخضعون القانون لعرفهم وتقليدهم , لذلك سنبقى هنا حيث لن يحصل أي تغيير أو تطوير في مجتمع لا يرضى بغير عرفه .


عاش أمير طفولته برفقة حسان , كتبه ووالد قليل الاهتمام به تربويا يبدو أنه أوكل المهمة لــ "علي" الخادم في المنزل, لكن بين حين وآخر كان والده يدلو بدلوه في بعض الشؤون التي يرى أنه يجب أن يعيها أمير جيدا كقوله " عندما تقتل رجلا فأنت تسرق حياة , قال بابا , تسرق حق زوجته بزوج , من أطفاله تسرق أباهم . عندما تكذب تسرق حق شخص بالحقيقة , عندما تغش تسرق حق العدالة , هل فهمت . كأن الأمر كله يتعلق بــ "السرقة" إلا أن أمير جان يكتشف ( كما بدا, أني وبابا متشابهان أكثر مما عرفت, لقد خنا الأشخاص المستعدين للتضحية بحياتهم من أجلنا).


ما يحدث في أيام قليلة , وأحيانا يوم واحد حتى , يستطيع تغيير اتجاه المرء كل حياته . من منا لم يحس في وقع هذه العبارة يوماً!!

للحديث مع النفس وقع يفوق أحياناً بتأثيره الحديث مع الآخرين , ولأمير جان عبارات استوقفتني كثيرا أثناء قراءاتي كقوله : " إلى اليوم أشعر بصعوبة في النظر مباشرة لأشخاص كحسان , الأشخاص الذي يعنون كل كلمة يقولونها" انه الضمير ما زال حي فيك والإحساس بالخجل من عدم القدرة على العطاء في المقابل , "كيف يمكنني , أنا من بين كل الناس , أن أعاقب شخصاً على ماضيه"! أتسال فقط أتسال كم شخص حاسب آخر على ماض له لم يعش فيه !! هناك شيء أصبح واضحاً , أحدنا يجب أن يرحل . أليست هذه النهاية المحتومة لكل منا ؟!.
الشعور الذي لم أعيشه يوماً ولن أعيشه بأذن الله هو العودة إلى الوطن بعد أن نخرت الحروب عظامه وانتزعت ما تبقى له من كرامه , أعتقد أنه أسوأ شعور أن تخرج من أرض كانت عظيمة تعود بعدها لتجد بقايا تربة صامدة تخفي بين رمالها الروايات الحقيقة للأحداث الروايات التي يبحث عنها كل مسجل للتاريخ والتي لن يجدها أبداً , يقول أمير جان حين عاد من امريكا لتلبية دعوة رحيم خان " الصلة التي شعرت بها فجأة للأرض القديمة... فاجأتني. لقد غبت كفاية لأنسى وأكون منسياً". أما حين عاد إلى كابول باحثاً عن سوهراب ابن حسان لعله بتبنيه له وانقاذه من الوضع الذي هو فيه أن يسامح نفسه ويغفر لها خطاءها الذي ظل يطرق قلبه كلما نبض !! "موجة من الحزن غمرتني, العودة إلى كابول كانت كمصادفة صديق قديم منسي ورؤية أن الحياة لم تكن جيدة معه , أنه أصبح مشرداً ومعدماً".

أخيرا يقول سوهراب : أبي يقول أنه من الخطأ إيذاء حتى الأشخاص السيئين لأنهم لا يعرفون أفضل من هذا , ولأن الأشخاص السيئين أحيانا يصبحون جيدين .

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

الـــــقـــــنــدس _ مـــحــــمـــد حـــســـن عــلـــوان



"أريد أن اخبرك يا ولدي أنه عندما تكون الأرض جبالاً يصبح للخطوة خلفها طعم مختلف ويصبح للرحيل حكايات تخيطها النساء مع الملابس ويدقها الرجال مع القهوة" العم ثابت , دائما ما تأسرني تلك الشخصية التي تقع في الظل محمد حسن علوان هذا الروائي الذي لا أنسجم غالبا مع محتوى رواياته بقدر ما يأسرني اسلوبه العميق وقدرته الهائلة والدقيقة في وصف تلك التفاصيل التي ينسى بعض الرواة أنها قد تأخذ القارئ بعيدا.
 رواية القندس وصفتها بدقة إحدى متابعاتي بأنها ليست أكثر من : " يوميات مراهق في الخمسين" إلا أن أنها نسيت أن تذكر أن البطل كان أربعيني , بدأت أقرأ وبدأ معه الملل يتسرب إلى نفسي منذ الصفحات الأولى في الرواية فهي لن تشبع غاية داخلية تسكني تبحث عن أحداث غامضة يعقدها ويحلها علوان في تسلسل غريب , كنت أرى أنها مضيعة للوقت حيث لم تأسرني قدرة علوان على الوصف هذه المرة قررت في الساعات التالية أن أتوقف عن القراءة لأني لم أعد أجد فيها ما يبقيني على قرأتها .
بعد لحظات من التوقف والاسترخاء وجدت نفسي أسحب الرواية من جديد بقرار جديد أيضاً , لم أقرا من قبل ولم أسمع يوما , عن حياة أربعيني أعزب إذا كان ما يكتبه علوان يتخلله شيئا من الحقيقة فمن الأفضل أن أعطي روايته فرصة أخرى , كان الملل هو سيد الموقف ومع ذلك وجدتني وأنا أقرا لأربعيني فارغ مستمتعة بشكل أكبر. لم أكن أريد أن أكون ممن وصفهم غالب "الأربعيني" بــ (الذين يقفزون من خارج الحكايات يفشلون في محاكمتنا دائما) .

هذا الأربعيني كان يواجه الحياة هنا بصورة أصعب بقليل مما توقعت صحيح ان المجتمع لم يمزقه كما يمزق الفتاة العانس , إلا أنه هو من كان يتكسر داخليا بصمت حيث يطغى عليه ذلك الرجل المستمتع بينما في الحقيقة يقبع في داخله متسائل دائم عن رأي الأخرين فيه .
غالب لم يكن شخصية مميزة إنما كان شخصية غير متصالحة ذاتيا فهو لم يقبل بنفسه منذ اللحظة التي علم فيها انه منبوذ من أمه , وعلى غير وفاق مع ابيه , لا شيء يعطيه حقه في الإحساس بنفسه كرجل إلا غادة تلك الفتاة الطائشة والزوجة الخائنة التي استطاعت بمهارة أن توفق بين رجلين ذو بعدين مختلفين زوجها يشعرها بثمنها , وغالب بأنوثتها وهي قلبت الورق بينهم بمهارة .


 أما أخوة غالب الذين رأوا فيه بلادته وعلموا أنه لن يكن يوماً شيئا , كانوا مجحفين في حقه كأن يستحق أن يمارس دوره كأخ أكبر يستشار ولا يؤخذ برأيه كعادة أغلب الأسر إلا أن رأيه يجب أن يسمع  على الأقل , إلا أنهم اقتصروا الطريق واكتفوا بالسكن تحت سقف واحد .
لا أعلم حين وصف محمد حسن علوان بدرية أخت غالب الشقيقة في مراحلها الأولى من تدينها هل كان صادقا إلى هذا الحد !! فمعظم النساء تصل أو تعيش هذه المرحلة في فترة قد تسبق عمرها بكثير حيث قال : " تراكمت في داخلها أنصاف أحلام مبهمة وطموحات لا تستطيع هي نفسها أن تصفها في جملة مفيدة . لكنها تعرف أنها تحتاج فقط . فتندفع إذا استطاعت أو تنكفئ اذا عجزت .............إنه مضمارها الأخير لم يبق متسع لمحاولات أخرى ".
لا يوجد شيء أعظم من الفقد فماذا لو كان المفقود أحد الوالدين , لم يمنع خلاف غالب مع والده أن يصف شعوره بدقة تمنع النفس للحظات وتعيده حيث قال : " شعرت لوهلة بأني فقدت سدي قبل أن أتعلم بناء السد وخصمي قبل أن أتقن فن العراك" هل يمكن أن يكون أحد الوالدين خصم !!

أترككم مع أكثر ما حطم قلبي في الرواية :

الحب شيء والنضال من أجله شيء آخر .

في مقدمة الرواية وفي اندفاع غالب اتجاه غاده وصفها .. " كانت تريد أن تعيش سليمة من الانفصامات , ومن أجل ذلك قطعتني أنا من المنتصف . لا تريد أن تبدو مبتذلة وبلا أخلاق في علاقتها معي ولا تريد أن تشعل بيننا حباً لا تؤمن بكماله ولا تملك تضحية كافيه له"

ولكن في نهاية الرواية حين شعر أنه بدأ يملها وصفها قائلا ... " دائما هناك امرأة كافية لبعض الوقت".
ألم أذكر في بداية التدوينة أني لا أنسجم إلا مع الشخصيات التي تقطن في ظل روايات محمد حسن علوان !! وهذا ما صدقه إعجابي بما قاله العم ثابت :                            
تقضي الحياة بغير ما تقضي ظنوننا فيها يا ولدي.