الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

الـــــقـــــنــدس _ مـــحــــمـــد حـــســـن عــلـــوان



"أريد أن اخبرك يا ولدي أنه عندما تكون الأرض جبالاً يصبح للخطوة خلفها طعم مختلف ويصبح للرحيل حكايات تخيطها النساء مع الملابس ويدقها الرجال مع القهوة" العم ثابت , دائما ما تأسرني تلك الشخصية التي تقع في الظل محمد حسن علوان هذا الروائي الذي لا أنسجم غالبا مع محتوى رواياته بقدر ما يأسرني اسلوبه العميق وقدرته الهائلة والدقيقة في وصف تلك التفاصيل التي ينسى بعض الرواة أنها قد تأخذ القارئ بعيدا.
 رواية القندس وصفتها بدقة إحدى متابعاتي بأنها ليست أكثر من : " يوميات مراهق في الخمسين" إلا أن أنها نسيت أن تذكر أن البطل كان أربعيني , بدأت أقرأ وبدأ معه الملل يتسرب إلى نفسي منذ الصفحات الأولى في الرواية فهي لن تشبع غاية داخلية تسكني تبحث عن أحداث غامضة يعقدها ويحلها علوان في تسلسل غريب , كنت أرى أنها مضيعة للوقت حيث لم تأسرني قدرة علوان على الوصف هذه المرة قررت في الساعات التالية أن أتوقف عن القراءة لأني لم أعد أجد فيها ما يبقيني على قرأتها .
بعد لحظات من التوقف والاسترخاء وجدت نفسي أسحب الرواية من جديد بقرار جديد أيضاً , لم أقرا من قبل ولم أسمع يوما , عن حياة أربعيني أعزب إذا كان ما يكتبه علوان يتخلله شيئا من الحقيقة فمن الأفضل أن أعطي روايته فرصة أخرى , كان الملل هو سيد الموقف ومع ذلك وجدتني وأنا أقرا لأربعيني فارغ مستمتعة بشكل أكبر. لم أكن أريد أن أكون ممن وصفهم غالب "الأربعيني" بــ (الذين يقفزون من خارج الحكايات يفشلون في محاكمتنا دائما) .

هذا الأربعيني كان يواجه الحياة هنا بصورة أصعب بقليل مما توقعت صحيح ان المجتمع لم يمزقه كما يمزق الفتاة العانس , إلا أنه هو من كان يتكسر داخليا بصمت حيث يطغى عليه ذلك الرجل المستمتع بينما في الحقيقة يقبع في داخله متسائل دائم عن رأي الأخرين فيه .
غالب لم يكن شخصية مميزة إنما كان شخصية غير متصالحة ذاتيا فهو لم يقبل بنفسه منذ اللحظة التي علم فيها انه منبوذ من أمه , وعلى غير وفاق مع ابيه , لا شيء يعطيه حقه في الإحساس بنفسه كرجل إلا غادة تلك الفتاة الطائشة والزوجة الخائنة التي استطاعت بمهارة أن توفق بين رجلين ذو بعدين مختلفين زوجها يشعرها بثمنها , وغالب بأنوثتها وهي قلبت الورق بينهم بمهارة .


 أما أخوة غالب الذين رأوا فيه بلادته وعلموا أنه لن يكن يوماً شيئا , كانوا مجحفين في حقه كأن يستحق أن يمارس دوره كأخ أكبر يستشار ولا يؤخذ برأيه كعادة أغلب الأسر إلا أن رأيه يجب أن يسمع  على الأقل , إلا أنهم اقتصروا الطريق واكتفوا بالسكن تحت سقف واحد .
لا أعلم حين وصف محمد حسن علوان بدرية أخت غالب الشقيقة في مراحلها الأولى من تدينها هل كان صادقا إلى هذا الحد !! فمعظم النساء تصل أو تعيش هذه المرحلة في فترة قد تسبق عمرها بكثير حيث قال : " تراكمت في داخلها أنصاف أحلام مبهمة وطموحات لا تستطيع هي نفسها أن تصفها في جملة مفيدة . لكنها تعرف أنها تحتاج فقط . فتندفع إذا استطاعت أو تنكفئ اذا عجزت .............إنه مضمارها الأخير لم يبق متسع لمحاولات أخرى ".
لا يوجد شيء أعظم من الفقد فماذا لو كان المفقود أحد الوالدين , لم يمنع خلاف غالب مع والده أن يصف شعوره بدقة تمنع النفس للحظات وتعيده حيث قال : " شعرت لوهلة بأني فقدت سدي قبل أن أتعلم بناء السد وخصمي قبل أن أتقن فن العراك" هل يمكن أن يكون أحد الوالدين خصم !!

أترككم مع أكثر ما حطم قلبي في الرواية :

الحب شيء والنضال من أجله شيء آخر .

في مقدمة الرواية وفي اندفاع غالب اتجاه غاده وصفها .. " كانت تريد أن تعيش سليمة من الانفصامات , ومن أجل ذلك قطعتني أنا من المنتصف . لا تريد أن تبدو مبتذلة وبلا أخلاق في علاقتها معي ولا تريد أن تشعل بيننا حباً لا تؤمن بكماله ولا تملك تضحية كافيه له"

ولكن في نهاية الرواية حين شعر أنه بدأ يملها وصفها قائلا ... " دائما هناك امرأة كافية لبعض الوقت".
ألم أذكر في بداية التدوينة أني لا أنسجم إلا مع الشخصيات التي تقطن في ظل روايات محمد حسن علوان !! وهذا ما صدقه إعجابي بما قاله العم ثابت :                            
تقضي الحياة بغير ما تقضي ظنوننا فيها يا ولدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق