الاثنين، 17 مارس 2014

حياة في الإدارة _ غازي عبدالرحمن القصيبي


هذا الكتاب أتى في شكل نصائح توجيهية ,ارشادية وقصصية يرويها الكاتب بأسلوب ساحر , لا تعلم وأنت تقرأ له هل القرارات الصحيحة هي ما اقراها الوزير أم ما نصح بها الوكيل أو ما أصر عليها الإداري الصغير , حتى يدير الدفة لك ويقول :

 "ما يبدو لغزاً أو شبيهاً باللغز , يصبح عند تحليله...., أمراً بالغ البساطة"

يحسُن بالمرء , في عالم الإدارة , وفي عالم الحياة الواسع , أن يوطن نفسه على التعامل مع جسام الامور وتوافهها على حد سواء.

إن اكتشاف المرء مجاله الحقيقي الذي تؤهله مواهبه الحقيقة لدخوله يوفر عليه الكثير من خيبة الأمل فيما بعد , بين الحين والحين يجيء من يسألني عن سر نجاحي . إذا كان ثمة سر فهو أنني كنت’ دوماً , أعرف مواطن ضعفي بقدر ما أعرف مواطن قوتي .

الإنسان الذي يعرف نقاط ضعفه يملك فرصة حقيقة في تحويلها إلى نقاط قوة .

إن رغبتي في إتقان ما أقوم به من عمل لم تعن , قط , رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر . كنت , ولاأزال , أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغاً ما بلغ عددهم . وكنتُ , ولا أزال , أرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته , هزيمة ترتدي ثياب النصر .

من دراستي المتعمقة لعالم السياسة الألماني / الأمريكي الشهير .هانس . ج . مورجنثاو, الذي كتبت عنه رسالة الماجستير . يرى هذا الباحث أن السياسة كانت , منذ الأزل , وتبقى , إلى الأبد , صراعاً على القوة . وما المقصود بالقوة ؟ محاولة إخضاع الآخرين لسلطة المرء . يمضي مورجنثاو فيقول إنك لا تستطيع أن تخُضع الأخرين لسلطتك , إلا عن طريق ثلاثة دوافع , الرغبة في الثواب , أو الخوف من العقاب , أو الحب والاحترام .

 

فضلاً عن التوجيهات العامة التي اقتطفتها , لفت انتباهي تحليل د. غازي لأحدى القضايا المهمة حيث يقول:

كتابة الرسائل إلى الصحف فن قائم بذاته , لا علاقة له بالبلاغة , ولا بعدالة القضية .

يستحيل أن ينشر مقال ضد اسرائيل في أي صحيفة أمريكية دون أن تصل إلى هذه الصحيفة عدة ردود "عقلانية" تعترض على المقال .

لا يمكن لمتحدث عربي أن يتحدث دون أن يحضر الاجتماع عدد من الصهاينة أو المتعاطفين معهم يلزم هؤلاء الهدوء حتى تنتهي فترة المحاضرة وتبدأ فترة الأسئلة , بعد بضعة أسئلة استفزازية ينجح هؤلاء في إثارة المحاضر الذي يفقد أعصابه ويفقد الجمهور الذي كسبه . كنت أعجب وأنا أرى محاضراً عربياً ذكياً بعد محاضر عربي ذكي يقع في هذا الفخ . يبدو أن الدراسة الصهيونية المستمرة للعقلية العربية لا تفتأ تعطي أروع النتائج .

إن الأشياء التي تفرق اليهود لا تختلف , في تنوعها , وكثرتها , عن الأشياء التي تفرق العرب . إلا أن اليهود تعلموا من الحريق النازي الهائل أن بقاءهم على قيد الحياة رهن بقدرتهم على إنشاء تنظيم فعال يتمحور حول إسرائيل . هذا درس لا يُستوعب في جامعة , ولا في منتدى فكري , ولا تطلقه مـؤسسة أبحاث , وقد تعلمه اليهود في حمامات الغاز التي أبادت معظم اليهود في أوروبا , وكل ما أتمناه أن لا يحتاج العرب إلى فاجعة مماثلة قبل أن يستوعبوا أنه لا حياة بدون تنظيم .

أن الفارق الرئيسي بين العرب والصهاينة  أننا نتصرف بطريقة فردية عفوية وهم يتصرفون بطريقة جماعية منظمة .

 

د.غازي كان يمتلك مهارات تحليله في كل المجالات لم يقتصر على السياسة , الوزارة أو الإدارة بل حتى في أساليب التدريس كان له تجربة و رأي جميل أطالب كل محاضر / دكتور/ أستاذ أو أي شخص ينتمي لسلك التعليمي أن يتبع أسلوبه لعلنا نرى أجيالا شغوفين بالعلم والمعرفة :

لا بدً هنا أن أقول إن التدريس فن لا علاقة له بكمية العلم التي يختزنها المدرس. أغزر الناس علماً قد لا يكون قادراً على نقل علمه إلى الآخرين , وأنجح المدرسين قد لا يكون أعلمهم .

التيسير والتعسير (أو التشويق والتعقيد) , هذا هو الفارق بين المدرس الناجح والمدرس الفاشل . علًمتني تجربتي الدراسية الطويلة أن المدرس الذي يستطيع تبسيط المنهج يفتح أمام الطالب أفاقا جديدة من المعرفة ويحثه على الاستزادة منها . أما المدرس الذي يتعامل مع مادته وكأنها لغز أو طلسم فإنه سرعان ما ينجح في جعل الطلبة يتعاملون مع المادة كأنها بالفعل من الألغاز والطلاسم .

لا يمكن للمادة أن تكون مفيدة ما لم تكن مشوقة , ولا يمكن أن تكون مشوقة ما لم تكن مبسًطة , ولا يمكن أن تكون مفيدة ومشوقة ومبسًطة ما لم يبذل المدرس أضعاف الجهد الذي يبذله الطالب . كنت أقول للطلبة في المحاضرة الأولى إن رسوب أي منهم يعني فشلي في تدريس المادة قبل ان يعني فشله في استيعابها . كنت أقضي وقتاً طويلاً في التحضير : ثلاث ساعات من القراءة لكل ساعة في الفصل . لا يمكن لمدرس أن يُعد محاضرة مشوقة إذا اكتفى بقراءة كتاب واحد . سرعان ما يكتشف الطلبة الفرق بين محاضر حقيقي يشد انتباههم وبين محاضر يردد كالببغاء ما يجدونه في الكتاب المقرر.

لا أزال , أرى أن التركيز على البحث وإهمال القدرة على التدريس عن إقرار الترقيات الجامعية أمر لا يخدم مصلحة الطالب.

قال أحد أساتذتي الأمريكيين :" في الولايات المتحدة التعليم يعني التدريب , أما في اوروبا فالتعليم يعني السماح لك بتثقيف نفسك بنفسك".

كنت ولا أزال , أرى أن شهادة الدكتوراه لا تعني أن حاملها يمتاز عن غيره بالذكاء أو الفطنة أو النباهة فضلاً عن النبوغ أو العبقرية . كل ما تعنيه الشهادة أن الحاصل عليها يتمتع بقدر من الجلد وبإلمام بمبادئ البحث العلمي . الهالة التي تحيط بحاملي الدكتوراه خاصة في العالم الثالث , وتوحي أنهم مختلفون عن بقية البشر وهم لا أساس له من الواقع .

مسئولية العميد , كما أفهمها أنا لا كما يفهمها العمداء الصوريون , لا توجد بجانبها سلطة تعادلها . لا شيء يشبه إحباط الإنسان الذي يرى نفسه مسئولاً عن أشياء لا أول لها ولا آخر دون أن تكون لديه أية سلطة . الدرس الكبير الذي تعلمته من تلك التجربة , وهو درس أوصي كل إداري ناشئ أن يضعه نصب عينيه طيلة الوقت , هو : لا تتعامل مع أي موقف دون أن يكون لديك الصلاحيات الضرورية للتعامل معه . لم أكن أعي هذا الدرس وجلبت لنفسي , وللآخرين , قدراً لا يستهان به من المتاعب .

تعلمت .. أن السلطة , مهما كانت واسعة , لا تضمن تحويل القرارات إلى واقع ملموس .

لفته :

ليس من حق الجامعة أن تأوي إلى جبل يعصمها من طوفان التنمية فتعتزل المجتمع بخيره وشره , وتنصرف إلى كتبها وطلبتها وهمومها الصغيرة : تدرس حياة شاعر عاش في اسكتلندا قبل قرون , أو تشرح نباتاً لا ينمو إلا على ضفاف البحيرات في كندا . إن مكان الجامعة الطبيعي هو في قلب الإعصار , وفي تنور الطوفان , عند دفة القيادة من فلك التنمية , ومكان القيادة لا يعطى بل ينتزع بالطموح والإصرار , وبتلويث الساعدين بغبار المعضلات وتبليل القدمين بغبار الأزمات .

 

كلنا يعلم غازي وفن إداراته للوزارات ,إليكم........

سراً عظيما من أسرار الإدارة : افتح المجال أمام الآخرين وسوف يذهلك ما تراه من منجزاتهم .

أنني نشأت وفي أعماقي إحساس كامن بأن السلطة , بلا حزم , تؤدي إلى تسيًب خطر , وإن الحزم ,بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة .

أن الإدارة الحكيمة تتطلب الحزم بقدر ما تتطلب العطف .

أنني من أشد المؤمنين  بالمقولة الشائعة : إن الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل .

أن السلطة العامة يجب ان تكون في خدمة الناس بدلاً من أن توظف الناس لخدمتها .

الأنظمة المعقدة هي المسئولة عن كثير من الفساد.

هناك ثلاث صفات لا بُد من توافرها في القائد الإداري الناجح , الأولى صفة عقلية خالصة , والثانية صفة نفسية خالصة , والثالثة مزيج من العقل والنفس .....الصفة الأولى , العقلية , هي القدرة على معرفة القرار الصحيح .... وأن القيود والعقبات ما هي في الحقيقة سوى ضوابط وضمانات .... الصفة الثانية المطلوبة , النفسية , هي القدرة على اتخاذ القرار الصحيح . ما أكثر القرارات التي يعرف صانع القرار الإداري أنها صحيحة ولكنه يعجز عن اتخاذها خوفا من العواقب . إذا كانت الحكمة جوهر الصفة الأولى فالشجاعة هي روح الصفة الثانية .

على صانع القرار ألا يتخذ أي قرار إلا إذا اكتملت أمامه المعلومات . وإذا كانت هذه القاعدة  تنطبق على كل مسئول , صغيراً أو كبيراً , فإن تجاهلها , عندما يكون صاحب القرار رئيس دولة , يمكن أن يؤدي إلى كارثة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق